كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَإِنَّ نَفْيَهُ بَاطِلٌ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَا دَلَّ أَيْضًا عَلَيْهِ الْعَقْلُ. فَكَيْفَ يُنْفَى بِمِثْلِ ذَلِكَ مَا دَلَّ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ عَلَى ثُبُوتِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِنْ الصِّفَاتِ- لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ- لَزِمَهُ مَا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَهُ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْجَوَابُ مُشَارِكًا. وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ هَذَا لَازِمًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْمَلْزُومِ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَلْزُومَ مَوْجُودٌ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ بِحَالِ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الِاسْتِدْلَالُ بِمِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا أَحْدَثَتْهُ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةُ وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: يَنْفِي عَنْ الرَّبِّ مَا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الرَّبِّ؛ مِثْلُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ النَّقَائِصَ الَّتِي يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهَا: كَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا تَنْزِيهٌ صَحِيحٌ؛ وَلَكِنْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ وَالتَّشْبِيهَ فَيُعَارَضُ بِمَا أَثْبَتَهُ؛ فَيَلْزَمُهُ التَّنَاقُضُ. وَمِنْ هُنَا دَخَلَتْ الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى رَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ خَلْقًا عَظِيمًا صَارُوا يَقُولُونَ لِمَنْ نَفَى شَيْئًا عَنْ الرَّبِّ- مِثْلُ مَنْ يَنْفِي بَعْضَ الصِّفَاتِ أَوْ جَمِيعَهَا أَوْ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى- أَلَمْ تَنْفِ هَذَا؟ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّشْبِيهُ وَالتَّجْسِيمُ فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ: وَهَذَا اللَّازِمُ يَلْزَمُك فِيمَا أَثْبَتَّهُ؛ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى النَّفْيِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَمْرُهُ إلَى أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ؛ وَلَا يَذْكُرَهُ بِلِسَانِهِ وَلَا يَعْبُدَهُ وَلَا يَدْعُوَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجْزِمُ بِعَدَمِهِ بَلْ يُعَطِّلُ نَفْسَهُ عَنْ الْإِيمَانِ بِهِ وَقَدْ عُرِفَ تَنَاقُضُ هَؤُلَاءِ.
وَإِنْ الْتَزَمَ تَعْطِيلَهُ وَجَحْدَهُ مُوَافَقَةً لِفِرْعَوْنَ؛ كَانَ تَنَاقُضُهُ أَعْظَمَ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: فَهَذَا الْعَالَمُ الْمَوْجُودُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَانِعٌ كَانَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ- وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فِيهِ حَوَادِثَ كَثِيرَةً كَمَا تَقَدَّمَ- وَحِينَئِذٍ فَفِي الْوُجُودِ قَدِيمٌ وَمُحْدَثٌ وَوَاجِبٌ وَمُمْكِنٌ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُك أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَوْجُودَانِ: أَحَدُهُمَا قَدِيمٌ وَاجِبٌ. وَالْآخَرُ مُحْدَثٌ مُمْكِنٌ؛ فَيَلْزَمُك مَا فَرَرْت مِنْهُ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ بَلْ هَذَا يَلْزَمُك بِصَرِيحِ قَوْلِك فَإِنَّ الْعَالَمَ الْمَشْهُودَ جِسْمٌ تَقُومُ بِهِ الْحَرَكَاتُ فَإِنَّ الْفُلْكَ جِسْمٌ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ أَجْسَامٌ تَقُومُ بِهَا الْحَرَكَاتُ وَالصِّفَاتُ؛ فَجَحَدْت رَبَّ الْعَالَمِينَ لِئَلَّا تَجْعَلَ الْقَدِيمَ الْوَاجِبَ جِسْمًا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ وَالْحَرَكَاتُ ثُمَّ فِي آخِرِ أَمْرِك جَعَلْت الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ الْوَاجِبَ الْوُجُودَ بِنَفْسِهِ أَجْسَامًا مُتَعَدِّدَةً تُشْبِهُ غَيْرَهَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ تَقُومُ بِهَا الصِّفَاتُ وَالْحَرَكَاتُ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الِافْتِقَارِ وَالْحَاجَةِ. فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ مُحْتَاجَةٌ إلَى مَحَالِّهَا الَّتِي هِيَ فِيهَا وَمَوَاضِعِهَا الَّتِي تَحْمِلُهَا وَتَدُورُ بِهَا وَالْأَفْلَاكُ كُلٌّ مِنْهَا مُحْتَاجٌ إلَى مَا سِوَاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ نَقْصِهَا وَحَاجَتِهَا.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي فَرَّ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْقَدِيمَ الْوَاجِبَ مَوْجُودًا- وَمَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَجَعَلَ نَفْيَ هَذَا اللَّازِمِ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ مَا جَعَلَهُ مَلْزُومًا لَهُ- لَزِمَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مَا فَرَّ مِنْهُ مِنْ جَعْلِهِ الْمَوْجُودَ الْوَاجِبَ جِسْمًا يُشْبِهُ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ النَّقْصِ الَّتِي يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهَا وَمَعَ أَنَّهُ جَحَدَ الْخَالِقَ جَلَّ جَلَالُهُ؛ فَلَزِمَهُ مَعَ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ عَامَّةِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ مَعَ عِبَادَتِهِمْ لِمَا سِوَاهُ وَلَزِمَهُ مَعَ هَذَا أَنَّهُ مِنْ أَجْهَلِ بَنِي آدَمَ وَأَفْسَدِهِمْ عَقْلًا وَنَظَرًا وَأَشَدِّهِمْ تَنَاقُضًا. وَهَكَذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بالذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ- مَعَ دَعْوَى النَّظَرِ وَالْمَعْقُولِ وَالْبُرْهَانِ وَالْقِيَاسِ كَفِرْعَوْنَ وَأَتْبَاعِهِ- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ وَقَالَ مُوسَى إنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلَى إلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلَّا فِي تَبَابٍ}. وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْجِسْمِ والتَّشْبِيهِ فِيهِ إجْمَالٌ وَاشْتِبَاهٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْنُّفَاةِ لَا يُرِيدُونَ بِالْجِسْمِ الَّذِي نَفَوْهُ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْجِسْمِ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّفَاتِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجِسْمَ الَّذِي فِي اللُّغَةِ كَمَا نَقَلَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِالْجِسْمِ مَا اعْتَقَدُوهُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ مَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ وَهَذَا الِاعْتِقَادُ بَاطِلٌ. بَلْ الرَّبُّ مَوْصُوفٌ بِالصِّفَاتِ وَلَيْسَ جِسْمًا مُرَكَّبًا لَا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ وَلَا مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ كَمَا يَدَّعُونَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الصِّفَاتِ لُزُومُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْمُحَالِ بَلْ غَلِطُوا فِي هَذَا التَّلَازُمِ. وَأَمَّا مَا هُوَ لَازِمٌ لَا رَيْبَ فِيهِ؛ فَذَاكَ يَجِبُ إثْبَاتُهُ لَا يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. فَكَانَ غَلَطُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظٍ مُجْمَلٍ وَإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ: إمَّا الْأُولَى وَإِمَّا الثَّانِيَةُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذِهِ قَوَاعِدُ مُخْتَصَرَةٌ جَامِعَةٌ وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى.
فصل:
إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَقَوْلُ السَّائِلِ: كَيْفَ يَنْزِلُ؟ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: كَيْفَ اسْتَوَى؟ وَقَوْلُهُ: كَيْفَ يَسْمَعُ؟ وَكَيْفَ يُبْصِرُ؟ وَكَيْفَ: يَعْلَمُ وَيُقَدِّرُ؟ وَكَيْفَ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ مِثْلِ: مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَشَيْخِهِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ حَتَّى عَلَاهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَمَا أُرَاك إلَّا رَجُلُ سَوْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. وَمِثْلُ هَذَا الْجَوَابِ ثَابِتٌ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْجَوَابُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَلَكِنْ لَيْسَ إسْنَادُهُ مِمَّا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَئِمَّةِ قَوْلُهُمْ يُوَافِقُ قَوْلَ مَالِكٍ: فِي أَنَّا لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ اسْتِوَائِهِ كَمَا لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ وَلَكِنْ نَعْلَمُ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ فَنَعْلَمُ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ وَلَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهُ وَكَذَلِكَ نَعْلَمُ مَعْنَى النُّزُولِ وَلَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهُ وَنَعْلَمُ مَعْنَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَلَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَنَعْلَمُ مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْفَرَحِ وَالضَّحِكِ وَلَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ: هَلْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَمْ لَا يَخْلُو مِنْهُ؟- وَإِمْسَاكُ الْمُجِيبِ عَنْ هَذَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يُجِيبُ بِهِ فَإِنَّهُ إمْسَاكٌ عَنْ الْجَوَابِ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَتَهُ- وَسُؤَالُ السَّائِلِ لَهُ عَنْ هَذَا إنْ كَانَ نَفْيًا لِمَا أَثْبَتَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَأٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ اسْتِرْشَادًا فَحَسَنٌ وَإِنْ كَانَ تَجْهِيلًا لِلْمَسْئُولِ؛ فَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ. فَإِنَّ الْمُثْبِتَ الَّذِي لَمْ يُثْبِتْ إلَّا مَا أَثْبَتَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفَى عِلْمَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ؛ فَقَوْلُهُ سَدِيدٌ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ سُؤَالُهُ وَالْمُعْتَرِضُ الَّذِي يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِهَذَا السُّؤَالِ؛ اعْتِرَاضُهُ بَاطِلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي جَوَابِ الْمُجِيبِ.
وَقَوْلُ الْمَسْئُولِ: هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ وَرَأْيٌ مُخْتَرَعٌ- حَيْدَةٌ مِنْهُ عَنْ الْجَوَابِ- يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِالْجَوَابِ السَّدِيدِ؛ وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْمُعْتَرِضِ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ وَلَا عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ بِنُزُولِ أَمْرِهِ وَرَحْمَتِهِ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا الْمُعْتَرِضَ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُقِرًّا بِذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِذَلِكَ؛ كَانَ قَوْلُهُ: هَلْ يَخْلُو الْعَرْشُ مِنْهُ أَمْ لَا يَخْلُو؟ كَلَامًا بَاطِلًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ فَرْعُ ثُبُوتِ كَوْنِهِ عَلَى الْعَرْشِ. وَإِنْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: أَنَا ذَكَرْت هَذَا التَّقْسِيمَ لِأَنْفِيَ نُزُولَهُ وَأَنْفِيَ الْعُلُوَّ- لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ لَزِمَ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَعُلُوِّهِ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَقْتَ النُّزُولِ هُوَ الْعَلِيَّ الْأَعْلَى بَلْ يَكُونُ فِي جَوْفِ الْعَالَمِ وَالْعَالَمُ مُحِيطٌ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: إنَّ الْعَرْشَ لَا يَخْلُو مِنْهُ قِيلَ لَهُ: فَإِذَا لَمْ يَخْلُ الْعَرْشُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ فَإِنَّ نُزُولَهُ بِدُونِ خُلُوِّ الْعَرْشِ مِنْهُ لَا يُعْقَلُ- فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعْتَرِضِ:
هَذَا الِاعْتِرَاضُ بَاطِلٌ لَا يَنْفَعُك لِأَنَّ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ وَالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالِاتِّفَاقِ. فَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ فَوْقَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُدَاخِلًا لِلْعَالَمِ محايثا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا. فَإِنْ قُلْت: إنَّهُ محايث لِلْعَالَمِ بَطَلَ قَوْلُك فَإِنَّك إذَا جَوَّزْت نُزُولَهُ وَهُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ لَمْ يَمْتَنِعْ عِنْدَك خُلُوُّ مَا فَوْقَ الْعَرْشِ مِنْهُ بَلْ هُوَ دَائِمًا خَالٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَيْسَ عِنْدَك شَيْءٌ ثُمَّ يُقَالُ لَك: وَهَلْ يُعْقَلُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَأَنَّهُ مَعَ هَذَا يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ فَإِنْ قُلْت: نَعَمْ؛ قِيلَ لَك: فَإِذَا نَزَلَ هَلْ يَخْلُو مِنْهُ بَعْضُ الْأَمْكِنَةِ أَوْ لَا يَخْلُو؟ فَإِنْ قُلْت: يَخْلُو مِنْهُ بَعْضُ الْأَمْكِنَةِ؛ كَانَ هَذَا نَظِيرَ خُلُوِّ الْعَرْشِ مِنْهُ. فَإِنْ قُلْت: لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ؛ كَانَ هَذَا نَظِيرَ كَوْنِ الْعَرْشِ لَا يَخْلُو مِنْهُ. فَإِنْ جَوَّزْت هَذَا؛ كَانَ لِخَصْمِك أَنْ يُجَوِّزَ هَذَا. فَقَدْ لَزِمَك عَلَى قَوْلِك مَا يَلْزَمُ مُنَازِعَك بَلْ قَوْلُك أَبْعَدُ عَنْ الْمَعْقُولِ لِأَنَّ نُزُولَ مَنْ هُوَ فَوْقَ الْعَالَمِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِنْ نُزُولِ مَنْ هُوَ حَالٌّ فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ فَإِنَّ نُزُولَ هَذَا لَا يُعْقَلُ بِحَالِ وَمَا فَرَرْت مِنْهُ مِنْ الْحُلُولِ وَقَعْت فِي نَظِيرِهِ بَلْ مُنَازِعُك الَّذِي يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَهُ مِنْ الْعَالَمِ وَيَنْزِلُ إلَى الْعَالَمِ أَشَدُّ تَعْظِيمًا لِلَّهِ مِنْك وَيُقَالُ لَهُ: هَلْ يُعْقَلُ مَوْجُودَانِ قَائِمَانِ بِأَنْفُسِهِمَا أَحَدُهُمَا محايث لِلْآخَرِ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا؛ بَطَلَ قَوْلُهُ. وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ؛ قِيلَ لَهُ: فَلْيُعْقَلْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ فَإِنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَقْلِ مِمَّا إذَا قُلْت: إنَّهُ حَالٌّ فِي الْعَالَمِ.
وَإِنْ قُلْت؛ إنَّهُ لَا مُبَايِنٌ لِلْعَالَمِ وَلَا مُدَاخِلٌ لَهُ؛ قِيلَ لَك: فَهَلْ يُعْقَلُ مَوْجُودَانِ قَائِمَانِ بِأَنْفُسِهِمَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا مُبَايِنًا لِلْآخَرِ وَلَا محايثا لَهُ؟ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ يُعْقَلُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنْ جَازَ وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَيْسَ هُوَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ وَلَا محايثا لَهُ فَوُجُودُ مُبَايِنٍ لِلْعَالَمِ يَنْزِلُ إلَى الْعَالَمِ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ؛ فَإِنَّك إنْ كُنْت لَا تُثْبِتُ مِنْ الْوُجُودِ إلَّا مَا تَعْقِلُ لَهُ حَقِيقَةً فِي الْخَارِجِ فَأَنْتَ لَا تَعْقِلُ فِي الْخَارِجِ مَوْجُودَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا دَاخِلًا فِي الْآخَرِ وَلَا محايثا لَهُ وَإِنْ كُنْت تُثْبِتُ مَا لَا تَعْقِلُ حَقِيقَتَهُ فِي الْخَارِجِ فَوُجُودُ مَوْجُودَيْنِ أَحَدُهُمَا مُبَايِنٌ لِلْآخَرِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ؛ وَنُزُولُ هَذَا مِنْ غَيْرِ خُلُوِّ مَا فَوْقَ الْعَرْشِ مِنْهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِنْ كَوْنِهِ لَا فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَا دَاخِلَ الْعَالَمِ فَإِنْ حَكَمْت بِالْقِيَاسِ؛ فَالْقِيَاسُ عَلَيْك لَا لَك؛ وَإِنْ لَمْ تَحْكُمْ بِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ اسْتِدْلَالُك عَلَى مُنَازِعِك بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: لَيْسَ هَذَا جَوَابِي بَلْ هُوَ حَيْدَةٌ عَنْ الْجَوَابِ: فَيُقَالُ لَهُ: الْجَوَابُ عَلَى وَجْهَيْنِ جَوَابِ مُعْتَرِضٍ نَافٍ لِنُزُولِهِ وَعُلُوِّهِ وَجَوَابِ مُثْبِتٍ لِنُزُولِهِ وَعُلُوِّهِ وَأَنْتَ لَمْ تَسْأَلْ سُؤَالَ مُسْتَفْتٍ بَلْ سَأَلْت سُؤَالَ مُعْتَرِضٍ نَافٍ. وَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ سَاقِطٌ لَا يَنْفَعُك فَإِنَّهُ سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّهُ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَوْ قِيلَ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُصَحِّحُ قَوْلَك إنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا قَوْلَك إنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ تَعَيَّنَ الثَّالِثُ وَهُوَ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ بَطَلَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ. هَذَا إنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ غَيْرَ مُقِرٍّ بِأَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ أَئِمَّةِ نفاة الْعُلُوِّ عَنْ النُّزُولِ فَقَالَ: يَنْزِلُ أَمْرُهُ. فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: فَمَنْ يَنْزِلُ؟ مَا عِنْدَك فَوْقَ الْعَالَمِ شَيْءٌ فَمِمَّنْ يَنْزِلُ الْأَمْرُ؟. مِنْ الْعَدَمِ الْمَحْضِ فَبُهِتَ. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ لِلْعُلُوِّ وَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ؛ لَكِنْ لَا يُقِرُّ بِنُزُولِهِ؛ بَلْ يَقُولُ بِنُزُولِ مَلَكٍ أَوْ يَقُولُ بِنُزُولِ أَمْرِهِ الَّذِي هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؛ فَيَجْعَلُ النُّزُولَ مَفْعُولًا مُحْدَثًا يُحْدِثُهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ كَمَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ؛ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا التَّقْسِيمُ يَلْزَمُك فَإِنَّك إنْ قُلْت: إذَا نَزَلَ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ لَزِمَ الْمَحْذُورُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قُلْت: لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ أَثْبَتَ نُزُولًا مَعَ عَدَمِ خُلُوِّ الْعَرْشِ مِنْهُ وَهَذَا لَا يُعْقَلُ عَلَى أَصْلِك.